أخبار الإنترنت
recent

الثقوب المثقفة


ما الفرق بين المثقف وثقوب الأحواض؟ وكيف ساهمت هذه الثقوب في إعادة تشييد أوربا وأمريكا في بلداننا العربية والإسلامية؟ وما علاقة كل ذلك بالرحلات العلمية؟

ثقوب الأحواض:
إن أغلب المثقفين الذين درسوا في الغرب هم من صنع غربي، حيث يقول جان بول سارتر في مقدمة كتابه (المنبوذون في الأرض) فيما يتعلق بأسلوب صناعة المثقف الشرقي في الغرب ومجال استخدامه: "كنا نحضر رؤساء القبائل وأولاد الأشراف والأثرياء والسادة من إفريقيا وآسيا، ونطوف بهم بضعة أيام في أمستردام ولندن والنرويج وبلجيكا وبارسي، فتتغير ملابسهم، ويلتقون بعض أنماط العلاقات الاجتماعية الجديدة ويرتدون السترات والسراويل، ويتعلمون منا طريقة جديدة في الرواح والغدو، والاستقبال والاستدبار، ويتعلمون لغاتنا وأساليب رقصنا وركوب عرباتنا، وكنا ندبر لبعضهم أحيانا زيجة أوروبية، ثم نلقنهم أسلوب الحياة ضمن أثاث جديد، وطرحا جديد من الزينة، واستهلاك أوروبي جديد وغذاء أوروبي، كنا نوحي ونلهمهم في أعماق قلوبهم الرغبة في تغريب بلادهم ثم نرسلهم إلى بلادهم، وأي بلاد؟ بلاد كانت أبوابها مغلقة دائما في وجوهنا، لم نكن نجد منفذا إليها، كنا بالنسبة لها رجسا ونجسا، كنا أعداء يخافون منا وكأنهم همج لم يعرفوا بشرا، لكننا بمجرد أن أرسلنا المثقفين الذين صنعناهم إلى بلادهم كنا بمجرد أن نصيح من أمستردام... أو برلين أو بلجيكا أو باريس قائلين (الإخاء البشري) نرى أن رجع أصواتنا يرتد من أقاصي إفريقيا أو فج من الشرق الأوسط أو الأدنى أو الأقصى أو شمال إفريقيا، كنا نقول (الإخاء البشري) وكانت (... البشري) ترتد من الطرف الآخر... تماما مثل الثقب الذي يتدفق منه الماء في الحوض، هذه أصواتنا من أفواههم، وحينما نصمت، كانت ثقوب الأحواض هذه تصمت أيضا، وحينما كنا نتحدث كنا نسمع انعكاسا صادقا وأمينا لأصواتنا من الحلوق التي صنعناها، ثم أننا كنا واثقين من أن هؤلاء المثقفين لا يملون كلمة واحدة يقولونها غير ما وضعناه في أفواههم"[1].

 وما أكثر ثقوب الأحواض يا سارتر في بلادنا العربية فهي ثقوب من صنع غربي، ساهمت إلى حد كبير في إعادة تشييد أوربا وأمريكا في بلداننا العربية، ولا تنعق إلا بما تسمع أو ينفخ فيها.
يتبع...




[1]- علي شريعتي: مسؤولية المثقف، ترجمة: إبراهيم الدسوقي شتا، مراجعة: حسين علي شعيب، دار الأمير للثقافة والعلوم، ط2، 2007، لبنان، ص: 115-117.

الدكتور جمال زاوي

الدكتور جمال زاوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.