أخبار الإنترنت
recent

شرطة الثقافة








ما علاقة المثقف بالشرطة؟ وكيف يتحول المثقف إلى شرطي؟ وما هي انعكاسات هذا التحول على العقل والفكر؟

عنف المثقف:

لا يختلف بعض المثقفون عن السياسيين في ممارسة العنف الرمزي، فالمثقفون يمارسون نوعا من العنف الرمزي على العقول، خاصة "العنف الرمزي الذي يمارسه المثقفون العقائديون والملتزمون، بعقليتهم القائمة على الحصر والاستبعاد، أو على التصنيف والإدانة... والمشروع الماركسي، كمشروع تحريري، شاهد كبير على ذلك، فهو باسم محاربة استغلال رأس المال وسلطته وعنفه، عمل على تكوين رأس مال عقائدي مارس من خلاله امبرياليته الفكرية وعنفه الرمزي، على نحو مضاعف"[1].

من العنف إلى حمل السلاح:

فالعنف الرمزي عند بعض المثقفين يتمثل في محاولة السيطرة على العقول، والدعوة إلى اعتناق أفكارها بطريقة متعصبة ومتطرفة، فهم يمارسون دور الشرطة على أفكارهم ومعتقداتهم، فيحرسونها ويحاولون فرضها على الآخرين ولو باستخدام العنف، مبتعدين بذلك عن لغة الحوار، وإخضاع أفكارهم للنقاش والمساءلة، فالمشكلة تكمن في أفكارهم وليست في مجتمعاتهم، لذا يجب على المثقف أن "يتخلى عن دور الشرطي العقائدي إذا أراد أن يحسن قراءة الأحداث، أو أن يسهم بصورة فعالة في ورشة الإنتاج الفكري على المستوى العالمي، فحراسة الأفكار هي مقتلها، ولو كان الأمر يتعلق بالحرية والديمقراطية والعقلانية والحداثة، لأن التفكير المنتج والفاعل هو ما به نشتغل على الذات ونقيم علاقة نقدية مع الأفكار، أي ما به نضاعف إمكانات التفكير والعمل، بابتكار أدوات فكرية جديدة واستخدام لغة مفهومية مغايرة في قراءة العالم والتعاطي مع الوقائع"[2].

المثقف العقائدي:

من أكثر المثقفين وقوعا في مصيدة حراسة الأفكار هم المثقفون الذين لديهم اهتمامات دينية، مع اعتلالات عقلية وإشكالات مفهومية، فهم يخلطون بين المعتقد والفكر، أي يتعاملون مع الأفكار بنفس الطريقة التي يتعاملون بها مع المعتقدات، فالمعتقدات التي يتبناها الفرد يعمل على الدفاع عنها وحراستها مهما كلف الأمر خاصة الدينية منها، وكذلك يحدث نفس الأمر مع الأفكار فهم يتبنوها ويعملون على الدفاع عنها مهما كلف الأمر، وتصل بهم الدرجة إلى التطرف الفكري والتعصب الثقافي، فيسعون إلى فرض أفكارهم على الآخرين ولو باستخدام القوة والعنف، دون ممارسة النقد البناء على تلك الأفكار أو إخضاعها للحوار والنقاش، أو محاولة ربطها بالواقع لاكتشاف مدى صلاحيتها... وهذا ما يجعل المثقف شبيه بالشرطي إلى حد كبير.

ينبغي على المثقف الحقيقي مناقشة أفكاره وعرضها للنقاش والحوار، ليتأكد من صلاحيتها للاستهلاك العقلي، وإلا فإن أفكاره ستصيب الآخرين بتسمم عقلي وإسهال فكري حاد.






-علي حرب: أوهام النخبة أو نقد المثقف، المركز الثقافي العربي، ط3، لبنان، 2004، ص: 59.[1]
-المرجع نفسه، ص: 103-104.[2]

الدكتور جمال زاوي

الدكتور جمال زاوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.