أخبار الإنترنت
recent

المثقف بين الطوباوية والعضوية

      


     






    
ما الذي تعرفه عن المثقف الطوباوي؟ وما الذي تعرفه عن المثقف العضوي؟ وما الفرق بينهما؟ وأي منهما على صواب؟

المثقف العضوي:

تحصل الخيانة من المثقف عندما لا يستطيع أن يعيش غريبا، ولا يتحمل مرارة الغربة سواء كان داخل وطنه أو خارجه، فالمثقف "يفقد أهميته وتقل فاعليته، بقدر ما ينخرط في مجتمعه أو يتكيف مع واقعه، أو بقدر ما تتحول مهمته إلى مجرد حرفة أو مهنة. وبالعكس فان أهميته تتجلى بقدر ما يمارس تمايزه وفرادته، أي بقدر ما يعبر عن تجربة أصيلة فذة، ويكون له أداؤه المميز وأسلوبه الفريد المبتكر"[1].
وللأسف فان الكثير من المثقفين لا يتحمل حياة الغربة وقساوتها، والعزلة ومرارتها، فتراه يندمج في مجتمعه، ويساير الأفكار الجماهيرية، والطروحات السائدة، والأوضاع الراهنة، والثقافة المشتركة، والمعارف الشعبوية، حتى لا يتم إقصائه وتهميشه... فدور المثقف ليس سهلا، وحياته ليست رغدة، فهو غريب حتى وإن كان في مجتمعه، وبين أهله وأقاربه ومحبيه... فطوبى للغرباء.

المثقف الطوباوي:

       لما نتحدث عن عزلة المثقف وغربته فنحن لا نعني بها أن يبني المثقف أسوارا من حوله، وجدرانا تعزله عن الواقع، وأبراجا من عاج، فيصبح مثقفا طوباويا مثاليا ذو أفكار بعيدة جدا عن الواقع، ويستحيل تطبيقها في المجتمع، كما أننا لا ندعو المثقف إلى أن يكون مثقفا عضويا أي عضوا منخرطا في المجتمع إلى أخمص قدميه، منغمسا في الحياة العامة إلى شحمة أذنيه، غائصا في أعماقها، مقيما لعديد العلاقات وكثير الارتباطات، مخالطا العوام حتى يصبح واحدا منهم، فيفقد تفرده وتمايزه، وإنما ندعو المثقف إلى أن يكون وسطا بين هذا وذاك.

إليك الحل:

  أي يبقى المثقف عينا مفتوحة على الواقع حتى لا تصدمه المستجدات، وتفاجئه التغيرات، ويبقي عينه الأخرى مفتوحة على الفكر، للإبداع وخلق الأفكار الجديدة، التي تكون -بهذه الطريقة- مرتبطة بالواقع وليست مستلهمة من المثالية والطوباوية، وفكرة الوسطية هي فكرة دينية صالحة للتطبيق على كل مناحي الحياة، حيث يقول المولى عز وجل: "وجعلناكم أمة وسطا..."[2] وللتأكيد على فكرة الوسطية جعل الله هذه الآية في وسط سورة البقرة... فياله من إعجاز عظيم !!! ولا نقصد بالوسطية اختيار المنتصف أو الوسط بين طرفين متناقضين كالحق والباطل، وإنما نقصد بها الاعتدال بين الإفراط والتفريط، فينبغي للمثقف أن يكون معتدلا في تفكيره فلا إفراط ولا تفريط في الفكر، وأن يكون معتدلا في عضويته، فلا إفراط ولا تفريط في العضوية.
إن المثقف الطوباوي والمثقف العضوي يقدمان للناس "المقروط" أي مجموعة من الأوهام والأفكار التي يستحيل تطبيقها على أرض الواقع.



- علي حرب: أوهام النخبة أو نقد المثقف، المركز الثقافي العربي، ط3، لبنان، 2004، ص: 46.[1]
- سورة البقرة، الآية: 143.[2]
الدكتور جمال زاوي

الدكتور جمال زاوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.