أخبار الإنترنت
recent

الشّيتة المثقفة


       سنكتشف في هذا المقال كيف تكون خيانة المثقفين من الجانب السياسي، وكيف يؤثر الانتماء السياسي على المثقف ويحد من استقلاليته، محولا إياه إلى مجرد شيات...

المثقف بعيون جوليان بندا:
يؤكد جوليان بندا أنه: "في نهاية القرن التاسع عشر حدث تغير رئيسي: بدأ المثقفون يمارسون لعبة الأهواء السياسية، أولئك الذين كانوا يشكلون مكبحا للواقعية المبتذلة عند الشعوب، جعلوا من أنفسهم محرضا لها"[1]، أي أن ميول المثقفين وانغماسهم في السياسة وأطماعها، والجري وراء السلطة والمصلحة الشخصية، جعلهم يسقطون في فخ الخيانة، وتحويل الأنظار عن القضايا الاجتماعية والثقافية الهامة، والهادفة إلى بناء الفرد والمجتمع على حد السواء.

المثقف وأزلام الدولة:
ومن المثقفين من استجاب لإغراءات السلطة وابتزازها المنظم والمفبرك، فالمثقف الحقيقي لا يخضع لمثل هذه الإغراءات لأن"المستفيد ليس الدولة ولا الجماهير بل رؤوس الدولة وأزلامها الذين يمنون على الشعب أنهم حرروه وأطعموه وأوصلوه إلى مصاف الدول الوطنية المستقلة"[2].


المثقف والشعبوية:
من جهة أخرى، فان خيانة المثقف قد تعود لعدم قدرته على مواجهة الصراع السياسي، والمد الشعبوي، فيدخل ضمن هذه الإمبراطورية ولا يعرض نفسه للنقد اللاذع، والتهكم والسخط الذي يطاله من هذه الأخيرة، وهذا ما يذهب إليه المفكر ادوارد سعيد حيث يرى أن "صعوبة التوتر للكاتب والمثقف الفرد تكمن في توسع مملكة السياسي والشعبي كثيرا لدرجة أصبحت بلا حدود عمليا، حتى بتنا نشك إن كانت فكرة المثقف اللاسياسي والكاتب فيها كثير من المعنى"[3]. أي أنه قلما تجد مثقفا ليس له ارتباطا سياسيا، وهذا الارتباط يحد من استقلاليته، ويكبح دوره كناقد، ويجعله يداري ويداهن المؤسسة السياسية التي ينتمي إليها.

ومن زاوية أخرى، فان المثقف استجاب للمد الشعبوي، ودخل في دوامة تسليع الثقافة، فاستجاب لميكانيزمات السوق، ومتطلبات الجماهير، فتخلى عن دور إنتاج الثقافة والفكر، متحولا بذلك إلى إنتاج سلع ثقافية وبضائع شعبوية تلبي احتياجات الجمهور وترضي نزواته.  

على المثقف أن يحافظ على استقلاليته حتى يمارس دوره كناقد دون خوف ولا محاباة لطرف معين قد يفقده عقله ويغتصب حريته.




[1]- باسكال بونيفاس: المثقفون المزيفون (النصر الإعلامي لخبراء الكذب)، ترجمة: روز مخلوف، ورد للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 2013، سوريا،ص: 15.
[2]- إدوارد سعيد: خيانة المثقفين –النصوص الأخيرة، ترجمة: أسعد الحسين، دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع، د.ط، سوريا، 2011، ص: 38.
[3]- المرجع نفسه، ص: 281.     

الدكتور جمال زاوي

الدكتور جمال زاوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.